الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه, وبعد:
فلا يزال الأعداء يواصلون كيدهم للإسلام, ويبذلون أقصى جهدهم, وبكل الوسائل والأسلحة؛ لتفريغ حقدهم البغيض على المسلمين. فتارة بإزهاق الأرواح, وهتك الأعراض, وتارة بتخريب الديار ونهب الأموال وترهيب الشعوب!
ومن ذلك ما يتعرض له إخواننا في سوريا من عدوان المجوس والروس وحلفائهم بقيادة المجرم بشار الأسد وحزبه الرافضي.
ومن جرائمهم أيضاً: جريمة التطاول على النبي صلى الله عليه وسلم وذلك من خلال قيام مجموعة من النصارى الحاقدين في الولايات المتحدة الأمريكية بإنتاج فيلم فيه تشويه لصورة النبي صلى الله عليه وسلم ومبادئ دين الإسلام.
وقد سبقهم آخرون في الدنمرك بنشر رسوم تتنقص مقام نبي الله صلى الله عليه وسلم, كل ذلك عداوة لله عز وجل وصداً للناس عن دينه. قاتلهم الله أنى يؤفكون,{يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}. فلا غرابة أن تصدر منهم هذه الجرائم, فما في صدورهم من العداوة أكبر!.
بَيْدَ أن هذا الحقد والعدوان والكيد لن يضير رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً فلقد قال الله تعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ} أي: الأذل المنقطع.
ولقد سفه هؤلاء أنفسهم, وجهلوا عظمة الله عز وجل وقدرته وانتقامه ممن هم أشد منهم قوة وبطشاً, قال تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ}.
فمهما عَظُمَ هذا الكيد واستطال فهو حتماً إلى وبال, فقد قال الله عز وجل: {وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ}. أي: ذهابٍ وخسارٍ.
وبعد: فلن يُضعف عزيمة أهل الإيمان ما هم فيه من تَسُلط الكفار واعتزازهم بقوتهم, فإن الإيمان بالقدر خيره وشره من أركان الدين.
ولكن لا شك أن لهذه النكبات التي أصابت المسلمين أسباباً يجب أخذها في الحسبان, فمنها:
• ضعف الإيمان في قلوب كثير من المسلمين.
• وكثرة الذنوب والمعاصي.
• والتفريط في إعداد القوة.
فلو كان هؤلاء الأعداء يحسبون للمسلمين حساباً ما أقدموا على هذه الجرائم ولكنهم علموا أن المسلمين اليوم غثاء كغثاء السيل! قد صدق فيهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها.
قالوا: أمِن قِلةٍ نحن يومئذٍ يا رسول الله؟ قـ ال: بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ, ولكنكم غثاءٌ كغثـ اء السيل, ولينـ زعنَّ الله من صدور عدوكم المهابة منكم, وليقذفنَّ في قلوبكم الوهن, قـ الـ وا: وما الوهن يا رسول الله؟ قـ ال: حُبُ الدنيا, وكراهية الموت". (أخرجه أبو داود والبيهقي)
فقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن حب الدنيا, وكراهية الموت هو سبب تداعي أمم الكفر وجرأتهم على المسلمين. ومما زاد الأمر سوءاً؛ الفرقة والاختلاف بين المسلمين, وعدم أخذهم بأسباب العزة والقوة.
فمتى يا ترى يفيق المسلمون من سباتهم؟!
ومتى ندرك الخطر الذي حل بنا لما ضعف في أنفسنا وازع الدين, وانشغل كثير منا بشهواتهم وهان عليهم دينهم؟
ألسنا نعيش اليوم تصديق حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: " إذا تبايعتم بالعينة, وأخذتم بأذناب البقر, ورضيتم بالزرع, وتركتم الجهاد؛ سلّط الله عليكم ذلاً لا ينـ زعه حتى ترجعوا إلى دينكم". (أخرجه أبو داود وأحمد)
قال الشوكاني رحمه الله: ".. وسبب هذا الذل - والله أعلم - أنهم لما تركوا الجهاد في سبيل الله الذي فيه عز الإسلام وإظهاره على كل دين؛ عاملهم الله بنقيضه وهو إنزال الذلة بهم". (نيل الأوطار: 5/ 235,234)
والأجدر بنا أن نتيقن أن ما نحن فيه من الذلة والهوان سببه الإخلال بحق الله عز وجل, فإنه لم يكن ليصيبنا ذلك إلا بما كسبت أيدينا, فمتى أردنا أن ينصرنا الله؛ فيجب علينا نصر الدين في أنفسنا, والأخذ بأسباب القوة فقد قال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ}.
وإزاء هذا الحدث وأمثاله يجب الانتصار لنبينا صلى الله عليه وسلم ولديننا, ووسائل هذه النصرة كثيرة ومتنوعة من أهمها:
تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله, وذلك بإفراده بالعبادة وإخلاص الأعمال له تعالى, وتحقيق شهادة أن محمداً رسول الله, وذلك بتصديقه وطاعة أمره, واجتناب نهيه, والدعوة إلى دين الله.
وتقديم محبته صلى الله عليه وسلم على محبة النفس والأبوين والناس أجمعين. كما قال عليه الصلاة والسلام: " والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين". (البخاري ومسلم).
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا نفسي. فقال صلى الله عليه وسلم: "لا. والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك". فقال له عمر فإنه الآن - لأنت أحب إلي من نفسي. فقال النبي: "الآن يا عمر". (أخرجه البخاري).
قال الخطابي رحمه الله: {معناه: لا تَصدُق في حُبي حتى تفني في طاعتي نفسك، وتؤثر رضاي على هواك، وإن كان فيه هلاكك}. (نقله النووي في شرح صحيح مسلم: 2/ 15)
وقال ابن رجب رحمه الله: {يجب تقديم محبة الرسول صلى الله عليه وسلم على النفوس والأولاد والأقارب والأهلين والأموال والمساكن، وغير ذلك مما يحبه الناس غاية المحبة. وعلامة تقديم محبة الرسول على محبة كل مخلوق:
أنه إذا تعارض طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في أوامره وداع آخر يدعو إلى غيرها من هذه الأشياء المحبوبة، فإن قدم المرء طاعة الرسول وامتثال أوامره على ذلك الداعي: كان دليلا على صحة محبته للرسول صلى الله عليه وسلم وتقديمها على كل شيء، وإن قدم على طاعته وامتثال أوامره شيئا من هذه الأشياء المحبوبة طبعا؛ دلّ ذلك على عدم إتيانه بالإيمان التام الواجب عليه}. (فتح الباري1: / 43, 44)
ومن وسائل نصرته صلى الله عليه وسلم أيضاً: تصديقه في كل ما أخبر من أمور الغيب والوحي, وقبول أحاديثه, وتوقير سنته, والاهتداء بهديه, وتقديم قوله صلى الله عليه وسلم على قول كل أحد كائناً من كان, والتأدب معه صلى الله عليه وسلم بالثناء عليه بما هو أهله، واستحضار محاسنه وفضائله, والتخلق بها, والدعوة إليها.
ومن ذلك: الذبّ عن عرضه صلى الله عليه وسلم, ودحض شبهات المفترين عليه. صلى الله عليه وعلى آله وسلم..
اللهم ردنا إلى دينك رداً جميلاً , وانتقم لنبيك عليه الصلاة والسلام ممن عاداه وأبغضه إنك على كل شيء قدير.
الكاتب: محمد بن علي الشيخي
المصدر: موقع عودة ودعوة